صندوق السكن، بين التنظير البارد، والواقعية الطموحة

بواسطة عبد الله علي

يُعد مشروع "صندوق سكن المدرسين" الذي أعلنت عنه الحكومة في العام الماضي منعطفًا هامًا في مسار نضال المدرسين والنقابات الممثلة للقطاع التربوي من أجل تحسين ظروف المدرسين من خلال تحقيق مطلب من أهم المطالب الملحة التي رفعت لسنوات بل خلال عقود. وقد أثار هذا المشروع انقسامًا بين النقابات، حيث انحازت الأغلبية، وعلى رأسها النقابة الحرة للمعلمين الموريتانيين، إلى تأييد هذا المشروع، بينما عبّرت أقلية عن معارضتها دون تقديم حجج مقنعة تستند إلى الواقع.

يُشكّل تأييد الأغلبية لهذا المشروع انعكاسًا لفهم عميق لطبيعة التفاوض بين النقابات والحكومة، حيث يُدرك هؤلاء أن تحقيق المطالب لا يأتي دفعة واحدة، وأن العمل النقابي يتطلب المرونة والقدرة على تقديم التنازلات في سبيل تحقيق مكاسب تخدم مصالح المدرسين. إن هذا النهج العملي يعكس إرادة حقيقية في تحسين ظروف عمل المدرسين وتوفير سكن لائق بهم، وهم الذين طالما عانوا من ضغط عدم وجود سكن لائق أو علاوات قادرة على تغطية نفقات الإيجار.

على أن الصندوق عند هؤلاء ليس إلا خطوة في اتجاه تحقيق مطلب واحد من مطالب المدرسين، وهو بصيغته الحالية لا يلبي أقصى ما تطمح إليه نفوس قادة هذه النقابات، إلا أنه أفضل المتاح، ولكن تطويره وتحسين خدمات الولوج إليه ستكون على قائمة المطالب ضمن العرائض المطلبية، التي ستخوض هذه النقابات غمار جميع الوسائل المتاحة لتحقيقها - كما هو عادتها دائما -

في المقابل، يبدو أن الأقلية المعارضة تفتقر إلى رؤية واضحة حول كيفية التعاطي مع هذا الملف، حيث تكتفي بالتشكيك في نيات الحكومة واتهام القيادات النقابية بالسعي وراء مصالح شخصية. وهو نهج لا يسهم في تقديم حلول عملية للمدرسين، بل يكرّس ثقافة الانتقاد العقيم الذي لا يُبنى على أسس موضوعية.

ومن المفارقات العجيبة أن هؤلاء النقاد العدميون يواكبون كل خطوة في مسار المشروع بتوقع عدم تنفيذ الخطوة الموالية، حتى إذا اصطدموا بتنفيذها انتقلوا إلى التشكيك في الخطوة الموالية....

وفي ظل هذا الجدل، يبقى السؤال الجوهري مطروحًا: هل ننتظر حلولا مثالية طوباوية، أم نبدأ بالعمل على ما هو متاح لتحقيق مكاسب ولو جزئية للمدرسين؟ يبدو أن الأغلبية قد اختارت الطريق العملي، معبّرة بذلك عن إرادة حقيقية في خدمة مصالح المدرسين، بينما بقيت الأقلية محاصرة في دائرة الانتقاد والتشكيك.

إن هذا المشروع، برغم ما قد يثار حوله من لغط، يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحسين ظروف الحياة للعاملين في القطاع التربوي، ويحتم على الجميع العمل بروح الفريق لتحقيق الأهداف المرجوة وخاصة مع صدور المرسوم المنشئ له ما يجعل الوعود التي أطلقت من طرف الحكومة باستفادة أول دفعة من المدسين منه هذه السنة أمرا شبه محسوم.

المعلم: عبد الله معاوية محمدي