الهجوم على الدوحة: إنها تغرق.. تغرق.. تغرق...

بواسطة محمد محمد الأمين

فورما تعرّضتْ الدوحة لهجوم إسرائيلي، بدا المشهد كاشفًا، لا لإسرائيل وحدها، بل لراعيها الأميركي أيضًا؛ فالإدارة الأميركية، بقيادة دونالد ترومب، سارعت إلى ارتداء قناع الغضب والادّعاء بعدم الرضا عن الهجوم، بينما هي تواصل لعب دورها الثابت: حماية المفرزة المتقدمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

خطاب ثنائي المغزى: الوعد والوعيد...

إن هذا الخطاب الموارِب ليس إلا ستارًا دخانيًا يهدف إلى تخفيف وطأة الانتقادات العالمية المتزايدة ضد الجرائم الإسرائيلية، ورسالة موجّهة للشعوب العربية لتخفيف الضغط على أنظمتها.

من هذا المنظور، يشكل الخطاب رسالة إعلامية تحمي الحلفاء، خاصة الحلفاء العرب والخليجيين الذين يسهر ساكن البيت الأبيض على التعامل معهم من منطق تجاري بحت، من زاوية الربح والخسارة التجارية، لا من منطق المبادئ أو الالتزامات الإستراتيجية طويلة الأمد. وهذا الطرح يتماشى تماما مع الرؤية "ترومبية" العامة للدبلوماسية، القائمة على الصفقات والمقايضة: أمن مقابل مال، اعتراف مقابل امتيازات، دعم مقابل استثمارات. 

لكن خلف الستار، لا يتردّد ترومب في الضغط على هؤلاء القادة العرب، مُرهِبا وملوّحًا بالعقوبات والتهديدات، حتى يظل نقدهم شكليًا لا يتجاوز الخطوط المرسومة سلفًا. وكأن لسان حاله يقول:

لا مانع لدي في أن تنتقدوا إسرائيل، كما أفعل أنا أحيانًا، بل ارفعوا شعارات ضدها للتنفيس، لكن إيّاكم أن تلحقوا بها ضررا حقيقيا، لا تمسّوا الجوهر.

فما فوق هذا  الحد لن يُسمح به، وستدفعون الثمن باهظا إن غامرتمً. فهذا هو قدَرنا وقدَركم: نحن الغالبون، وأنتم المغلوبون."

ويشكل هذا التلويح بالقوة في وجه القادة العرب وغيرهم، وكذلك استخدامها كما جرى في إيران، الوجه الرئيسي لما يسميه الرئيس الأمريكي: " فرض السلام من خلال القوّة".

   السؤال الخطير العالق...

لا يبدو أن ترومب شذَّ عن منطقه المتغطرس، في تعاطيه مع الهجوم الإسرائيلي على الدوحة: مراوغة لفظية تُخفي حقيقةَ استعلاءٍ سياسيٍ، يحاول تغطيته بمهارة متعثّرة.

لكن السؤال الخطير يظل عالقا: إلى متى يستطيع هذا "المتصهين"- أكثر من الصهاينة- أن يجهل أو يتجاهل أن "أمّ السارق لا تزغرد دوما إلى الأبد"، وأن أنفاسها باتت تختنق أكثر فأكثر؟

ألم يَحنْ الوقت ليزيل عن عينيه غشاوةَ الكبرياء الأجوف، ويتأمل في الخراب الذي زرعه بيديه:

حروبه التجارية أطلقتْ ارتدادات جيوسياسية عنيفة تضر بلاده قبل غيرها؛
صراعاته مع الحلفاء التقليديين ـ أوروبا، كندا، اليابان... مزّقت أوصال الثقة القديمة؛
حتى حلف الناتو، الركيزة العسكرية للنفوذ الأميركي، صار حلبة شقاق، بدلاً من أن يبقى حصنًا منيعا متماسكا كما كان يعول عليه؛
...

في المقابل، تشهد التوازنات الدولية تحولات كبرى متسارعة لا تدعو إلى طمأنة الولايات المتحدة: الصين تترسخ كقوة مضادة كما أكّدته قمة شنغهاي الأخيرة ؛ والبريكس يتمدد ليشكّل جبهة جديدة تُغيّر معالم النظام الدولي ؛ الدولار، الذي شكّل لعقود كثيرة العمود الفقري للهيمنة الأميركية، يتراجع أمام اليورو، واليوان و"البترويوان"، والروبل.

إنها أمواج عاتية، متزايدة العصف ومتعددة الأوجه: اقتصادية، دبلوماسية، فكرية... تُهدد سفينة "العم سام" في عرض بحر هائج.

خاتمة

رُبّان السفينة، دونالد ترومب، لا يبدو مؤهلاً لمواجهة هذه العواصف المتنزعة الأبعاد. لكنه عنيد، مغرور: يعتقد أن البحر ينحني أمامه، فيما هو على وشك ابتلاع سفينته تدريجيا. وليأخذ العالم حذره: إنها تغرق.. تغرق.. تغرق...

قد تأخذ العملية وقتا لا يدري أحد كم سيطول، إن لم يتدخل المنقذون. وحتى في هذه الحالة، فإننا لا محالة سوف نرى أمريكا جديدة مغايرة للتي ألفناها من قبل.  تُرى: ما نوعها؟   

 

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)