التجربة المسرحية الموريتانية تحت المجهر

بواسطة محمد صالح

  

أبرز الممثل والكاتب والمخرج المسرحي الموريتاني، الأستاذ عبد الفتاح سلي، اليوم الأحد التاسع نوفمبر 2025، ملامح التجربة المسرحية الموريتانية الممتدّة على مدار يمتدّ إلى ما يربو عن الستة عقود ونيف.  
أتى ذلك في محاضرة ألقاها أ. سلي بالمكتبة العمومية لمدينة تندوف، ضمن ثاني أيام الدورة الرابعة للمهرجان الثقافي الوطني للمونولوج والفنون المسرحية.
وفي محاضرته الموسومة "التجربة المسرحية الموريتانية: عقبات الراهن وطموح المستقبل"، تطرق سلي إلى شقين في متن بلاده المسرحي: شق فرجوي وشق حالي.
ولفت سلي إلى حيثيات انشاء أول فرقة مسرحية ضمن قالب العلبة الإيطالية، وما ظلّ يُعرف "ظاهرة لحماري" وهي تقليد لشخصيات وحيوانات، وأحال أيضاً إلى الجدّات اللائي واظبنّ على سرد قصص لأحفادهنّ قبل النوم.
وأشار سلي إلى أنّ منطقة الواحات شهدت سنة 1958، ميلاد أول فرقة مسرحية في موريتانيا، باعتماد السخرية والتقليد الشكلي.
وقال إنّ إشكالية عدم حضور المرأة في بدايات المسرح الموريتاني، جرى تجاوزها عبر الممثل "وركان" الذي كان أول من يجسّد الأدوار النسائية. 
وأضاف أنّ المسرح الموريتاني مرّ بعدة مراحل في مختلف المنعطفات السياسية، قبل أن يشهد شبه انفراج إبان زمن الرئيس السابق معاوية ولد الطايع
ونوّه سلي إلى تجربة المسرح الشعبي الذي اعتبره "شعبوياً" في موريتانيا التي استقدمت خبرات من الخارج، واستعانت بكوادر من فلسطين والجزائر ومصر وغيرها.
وعرّج سلي على ما سماها "ظاهرة التمدّد الديني" التي طالت منظومة الثقافة الموريتانية، كما انتقد عارض "عدم تفقّه البعض في الفن المسرحي".
ولاحظ سلي أنّ موريتانيا مجتمع متعدد الأعراق ومتعدد الأطباق، وسط حضور العرب والزنوج، واستخدام متعدّد للغة الفصحى واللهجة الحسانية، هذه الأخيرة كل كلمة منها تحمل مدلولين على الأقلّ.
وكشف سلي أنّ غالبية ممارسي المسرح هم من الطبقة الدنيا، وسط حضور شبابي هام.
وأشاد سلي بمسارات مهرجان المسرح المدرسي في موريتانيا، وذكر أنّ الأمر يتعلق بميلاد فضاء على أسس قواعد، بالتزامن مع تنظيم نسختين من المهرجان الوطني قبل انقطاعه مع جائحة كورونا.

عقبات الراهن: 
شدّد سلي على أنّ أهمّ عقبات الراهن، تبرز في أنّه رغم استقلال موريتانيا عام 1960، ليس هناك مسرح وطني إلى حدّ الآن، وليس هناك قاعات بمفهومها المحترف، مثلما أنّه ليس هناك نموذج فكري مسرحي، وهناك غياب تام لما يُعرف بالنقد.
وأضاف: "قاعة العرض في تندوف أقرب إلى الموريتانيين من نواكشوط".  
وأقحم سلي معطى عدم وجود مستشار خاص بالمسرح في وزارة الثقافة، في وقت يتواجد مستشارون للسينما والشعر .... 
وركّز المسرحي الموريتاني على طموح بلاده لإدماج المسرح في المناهج المدرسية، إضافة إلى بناء وتشكيل المسرح الوطني، تفعيل معهد المسرح في كلية الفنون ونفض الغبار عن الموروث. 
في التعقيبات، ثمّن أ. د. مخلوف بوكروح مضامين المحاضرة، ورأى أنّ ما صُنّف كـ "تعقيدات" مثل البعد الإثني والبعد اللغوي والبعد الطبقي، ليست عائقاً بل تراكماً وعمقاً.
وذهب أ. د. بوكروح إلى أنّ جهد الممارسين قبل وبعد استقلال موريتانيا لتأسيس الفعل المسرحي في بلاد شنقيط، يحيل إلى ما عرفته الجزائر التي تقاسم موريتانيا البعدين النضالي والاحتجاجي.
وتطرق أ. د. بوكروح إلى اشكال: هل نقدّم دعماً لمسرح ينتقدنا؟، وذهب إلى أنّ المسرح شعر والمسرح شاعري، ويمكن لموريتانيا أن تغترف من خصوصية أرض المليون شاعر، وتنهل من البعد الإفريقي.
وأفاد أ. د. بوكروح: "جغرافياً نحن أفارقة، والتجربة السودانية هي مزج بين الثقافة العربية الإسلامية ونظيرتها الافريقية وهذا ما أنتج قوة".
وقدّر أ. د. بوكروح أنّ موريتانيا ليست مجبرة على تشييد مبانٍ بحجم ما ورثته الجزائر، مقترحاً استلهام البيئة وتفعيل نسق الخيمة وفضاء الشعر.
بدوره، تساءل الأستاذ الدكتور لخضر منصوري عن غياب موريتانيا في المحافل الدولية، رغم كل الدعم الذي قدمته الهيئة العربية للمسرح، واسهامات الجامعة والمثقفين في تطوير الإرث المسرحي الموريتاني.
وطرح أ. د. منصوري هامش فتح جسور لأعمال مشتركة بين الجزائر وموريتانيا.
من جانبه، غاص الأستاذ والمخرج عبد القادر رواحي في جاذبية وجماليات الأعمال المسرحية، بينما ثمّن د. محمد بوكراس مدير المعهد العالي لمهن فنون العرض، اضاءات عبد الفتاح سلي، وأبرز أهمية الدور الذي ينهض به الجيل الجديد في موريتانيا على صعيد منح قيمة مضافة للثراء الذي تتمتع به موريتانيا، مستدلاً بعرض "الماء" لعمر فطموش الذي مزج بين تراثي السبيبة والبوغنجة.
وطرح د. بوكراس إمكانية التفاعل البحثي وتعميق الانفتاح على الاشتغال التراثي في البلدين، في حين أشاد سلي بسخاء الهيئة العربية للمسرح ودعمها الكبير لمهرجان المسرح المدرسي، بجانب حضور موريتانيا في مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي على مدار دوراته الثماني.
وعاد أ. د بوكروح ليُبرز تمايز التجربة المسرحية في موريتانيا، الغنية بنخبها، متصوراً أنّ النهضة ممكنة جداً وهي مرتبطة بالتكوين وإدراك تجارب الآخرين، على منوال الشقية ليبيا التي حضرت إحدى فرقها في مهرجان المسرح الجامعي، وعليه رأى بحاجة موريتانيا إلى الانفتاح على المحيط القريب، وختم بالقول: "نحن بحاجة إلى موريتانيا، وتجربة أحمد حبيب".
وجدّد أ. د لخضر منصوري، التشديد على أنّ العلبة الإيطالية هي سجن المسرح العربي، ذاهباً إلى أنّ مشاركة موريتانيا لمحليتها سيمكّنها من بلوغ العالمية، وذاك يقتضي اشراك كافة الأطياف.  

عبد الفتاح سلي في سطور: 
• رئيس مصلحة المسرح بالمعهد الوطني للفنون إلى نواكشوط 
• ممثل وكاتب ومخرج مسرحي موريتاني 
• يمتلك تجربة تربو عن العقدين من المراكحات 
• لديه حضور في مسرح الصحراء والملاحم 
• آخر أعماله، مسرحية "دايبة" التي عُرضت مؤخراً في بجاية والمسرح الوطني الجزائري.