ميناء نواكشوط المستقل : تجاوزات مالية وإدارية تثير القلق وأموال في خدمة التلميع

بواسطة وكالة الإعلام …

يثير تسيير ميناء نواكشوط المستقل (ميناء الصداقة) جدلاً متصاعدًا في الأوساط الاقتصادية والحقوقية بموريتانيا، في ظل تراكم شبهات تتعلق بـسوء التسيير، المحاباة في التوظيف، اختلال مساطر الصفقات العمومية، وتوظيف موارد المؤسسة في حملات إعلامية موجهة.

فمنذ تسلم الإدارة الحالية للمرفق في أواخر  2023، تتالت التقارير التي تشير إلى تدهور قواعد الشفافية والمساءلة داخل المؤسسة، رغم ما أُعلن عنه من خطط إصلاح وتطوير.

أولى المؤشرات المقلقة ظهرت مع الكشف عن صفقة تتعلق بتوريد قاطرة بحرية، حيث منحت الإدارة الصفقة لشركة تركية حلّت ثالثة في التقييم الفني والمالي، وهو ما اعتبره خبراء في الشأن العمومي مخالفة صريحة لقانون الصفقات العمومية، الذي يلزم باعتماد العرض الأفضل من حيث الجودة والسعر. وقد أثارت هذه الصفقة تساؤلات حول مدى احترام المساطر القانونية والرقابة الداخلية على التعاقدات داخل المؤسسة.

 

أزمة TCN: جباية غير محصلة وتسيير خارج القانون

وفي أبريل 2024، قامت الإدارة العامة للضرائب بإغلاق مكاتب شركة “TCN” وتجميد حساباتها البنكية، وهي الشركة المتعهدة بتسيير رصيف الحاويات داخل الميناء، وذلك بسبب امتناعها عن دفع الضرائب المستحقة. ورغم الإجراءات، واصلت الشركة تسيير أكثر من 70% من العمليات داخل الميناء، وتحصيل الأموال نقدًا من المستخدمين، ما يشكل إخلالاً صريحًا بسيادة القانون المالي والتنظيمي، ويطرح تساؤلات حول دور الرقابة الإدارية في مثل هذه الحالات

من جهة أخرى، عبّرت مصادر نقابية عن استيائها من قرارات التعيين الأخيرة داخل المؤسسة، والتي طالت مناصب إدارية حساسة، معتبرة أنها تمت على أسس زبونية لا تراعي الكفاءة أو الأقدمية. 
وقد أفادت تقارير صحفية بأن عدداً من المعينين يرتبطون بعلاقات قرابة أو مصالح اجتماعية مع المدير العام، في حين تم تهميش موظفين قضوا سنوات طويلة في خدمة المؤسسة دون مبررات واضحة.

 

حملات إعلامية بتمويل عمومي: المال العام في خدمة التلميع

وفق معلومات خاصة حصل عليها صحفيون استقصائيون، أنفقت إدارة الميناء مبالغ كبيرة قدرت بعشرات الملايين من الأوقية القديمة تحت بند “التعاون الإعلامي”. إلا أن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن هذه الأموال استُخدمت فعليًا في تجنيد عشرات المدونين والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف تحسين صورة المدير العام، وتوجيه النقاش الرقمي العام.

 

“خيرية الميناء”: مشروع بلا أثر

في الجانب الاجتماعي، تم الإعلان عن إنشاء ما سُمي بـ”خيرية الميناء”، بوصفها هيئة تهدف لدعم النساء والفئات الهشة. غير أن هذا المشروع لم يُسجل له أي نشاط ميداني يذكر، ما أثار شكوكا حول طبيعة تمويله وغياب الشفافية في تسييره. عدد من المواطنين الذين كانوا يستفيدون سابقًا من بقايا المواد الغذائية المتساقطة على طريق الشاحنات نحو الميناء، أكدوا أنهم لم يروا أي تحسن أو دعم مباشر كما وُعِدوا به إعلاميًا.

يظل ميناء نواكشوط المستقل رئةً اقتصادية للبلد، ومرفقًا حساسًا يُفترض أن يخضع لأعلى درجات الشفافية. ما كشفته المصادر والتقارير خلال الأشهر الماضية يفرض فتح تحقيق شفاف ومستقل، وتقييم مدى احترام المؤسسة لالتزاماتها القانونية والتنظيمية. فاستمرار هذه الممارسات دون رادع يقوض الثقة العامة في المرافق العمومية، ويؤسس لثقافة الإفلات من المحاسبة