جريدة الإعلام : قرار الوزير الأول بمنع الاكتتاب العشوائي.. خطوة جريئة أم حبر على ورق؟

بواسطة أبوه مولاي ادريس

أصدر الوزير الأول، المختار ولد اجاي، يوم الجمعة الماضي، تعميمًا يلزم بعدم إجراء أي اكتتاب أو تعاقد جديد في المرافق العمومية إلا في حالات الضرورة القصوى، وبما يضمن معايير شفافة لتكافؤ الفرص واختيار الأكفأ. خطوةٌ وُصِفت بأنها جريئة ومطلوبة، جاءت لتضع حدًّا لممارسات ظلت لعقود تُثقل كاهل الميزانية العامة، وتقصي الكفاءات، وتكرّس ثقافة الزبونية والمحاصصة في التوظيف.

التعميم تضمّن تحذيرًا صريحًا من استمرار الاكتتابات العشوائية، وأكد أن هيئات الرقابة ستكون بالمرصاد لضمان احترام الإجراءات. الحكومة، من جهتها، برّرت القرار بضرورة إصلاح المنظومة الإدارية، والقطع مع ممارسات التوظيف على أسس غير مهنية.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل يمكن لهذا القرار أن يتجاوز حبر الورق، ليترجم إلى واقع ملموس في إدارة مثقلة بشبكات النفوذ، وفي قطاعاتٍ نخرتها الزبونية والفساد؟

التحديات التي تعترض طريق تنفيذ هذا التعميم ليست خافية. فالإدارة الموريتانية، كما يؤكد خبراء ومراقبون، ظلت طوال عقود رهينة تعيينات تقوم على الولاء والانتماء لا على الكفاءة والجدارة. ويكفي أن نطالع ردود الأفعال على القرار، لندرك حجم المعضلة.

ففي بيان صادر عن مجموعة من الدكاترة المعتصمين منذ أشهر في مقر اللجنة الوطنية للمسابقات، اعتُبر القرار بمثابة “إعلان رسمي نادر عن حجم الاختلالات العميقة التي تنخر جسم الإدارة العامة”. هؤلاء الدكاترة الذين كانوا شاهدين على ما وصفوه بـ”العبث الإداري” خلال مسابقة التعليم العالي الأخيرة، رحّبوا بالتعميم، لكنهم شككوا في إمكانية تطبيقه فعليًا في ظل استمرار تغلغل شبكات النفوذ، وغياب الإرادة الحقيقية لتطبيق القانون.

وأشار المعتصمون إلى أن المشكلة لم تكُن يومًا في غياب النصوص، بل في غياب التطبيق، واستباحة الوظيفة العمومية وتوزيعها وفق معايير الزبونية والمحاصصة، وهو ما أفرز مشهدًا مأزومًا أضرّ بالمصلحة العامة وجودة المخرجات.

قرار ضروري… إن لم يكن بروتوكولًا شكليًا

في واقع كهذا، يبدو قرار الوزير الأول ضرورة لا خيارًا. لكنه لن يغير شيئًا ما لم تقترن النوايا الحسنة بإجراءات عملية جادة: تفعيل الرقابة بصرامة، وإعمال المساءلة بحق المتورطين في الاكتتابات العشوائية، وإلغاء نتائج أي مسابقة تُثبت لجان التفتيش أنها شابتها خروقات.

الأمر يتطلب أيضًا شفافية كاملة في الإعلان عن الحاجات الحقيقية للمرافق العمومية، وجدولة الاكتتابات وفق تلك الحاجات، لا وفق الحسابات الضيقة، السياسية أو القبلية.

فالتعميم، على أهميته، قد لا يعدو أن يكون بروتوكولًا شكليًا جديدًا إذا لم يُرفق بقرارات شجاعة تكسر الحلقة المفرغة للزبونية، وتعيد الاعتبار لمبدأ المسابقة كوسيلة وحيدة للولوج إلى الوظيفة العمومية، كما نص عليه النظام الأساسي للوظيفة العمومية.

لا شك أن استعادة ثقة المواطن في الدولة تبدأ من احترام حقه الدستوري في التنافس الشريف على الوظيفة العمومية، ومن إغلاق أبواب التوظيف أمام المحاباة وفتحها أمام الكفاءة والجدارة. وما لم تُترجم القرارات إلى أفعال، فإن المواطن سيبقى حبيس الشك في أي إعلان إصلاح جديد، وسيظل الفساد هو الرابح الأكبر.

 

جريدة الإعلام العدد 242 الصادر يوم الثلاثاء 24/06/2025