تازيازت .. نهب منظم لثروة الذهب في ظل صمت الحكومة

بواسطة وكالة الإعلام …

تعمل شركة كينروس تازيازت منذ أكثر من عشرين سنة على استغلال واحد من أغنى المناجم الذهبية في المنطقة.
ومع أن الشاحنات لا تتوقف، والمطاحن تعمل بلا انقطاع، إلا أن السؤال الذي لم يُجب عنه أحد منذ البداية ما يزال معلّقًا:

كم تستفيد موريتانيا حقًا من ذهبها؟

هذا التحقيق يعود إلى جذور القصة، يكشف ثغرات الاتفاقيات، ويرصد توسعات وُصفت من الأهالي بأنها "غير قانونية"، ويدخل في تفاصيل مناطق كانت محظورة ثم عادت الشركة لاستغلالها دون إعلان رسمي… في وقت ينشغل فيه مديرها الإداري عن التوضيح والمساءلة.

الفصل الأول: اتفاقياتٌ على الورق… ذهبٌ في الخارج

منذ دخول الشركة البلاد، بنيت العلاقة بينها وبين موريتانيا على اتفاقيات معقدة، لم تُعرض يومًا على المواطنين، ولم تُفتح أمام نقاش عام أو مراجعة مستقلة.
وما يفهمه المتخصصون اليوم هو التالي:
- موريتانيا لا تملك حصة تشغيلية حقيقية داخل منجمها الأول.
-المشاركة الوطنية محصورة في نسبة هامشية داخل شركة فرعية، بلا سلطة رقابية أو إدارية.
- الشركة الأجنبية تتحكم وحدها في الإنتاج، التقييم، التسويق، والتصدير.
- الدولة تعتمد على ما تعلنه الشركة من أرقام… لا على ما تستخرجه فعليًا.

بمعنى أدق:
الذهب موريتاني، لكن السيطرة أجنبية بالكامل تقريبًا.

إضافة إلى ذلك، جاءت اتفاقية 2020 لتوسّع نشاط الشركة 30 سنة إضافية، مع إعفاءات واسعة شملت:
- الضريبة على الوقود
- الرسوم الجمركية
- تسهيلات ضريبية خلال التوسعة
- مستحقات TVA تحمّلتها الدولة بدل الشركة
- مقابل 10 ملايين دولار فقط كدفعة مباشرة.
كيف لدولة فقيرة بالبنى الصحية والتعليمية أن تسدد ديونًا لشركة تستخرج ذهبها؟
هذا سؤال معلّق منذ أربع سنوات.
 

الفصل الثاني: “الساكنة والتالفة ومحمد سالم”… مناطق محظورة تعود إلى الواجهة

خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، أوقفت الدولة توسع الشركة نحو ثلاث مناطق حسّاسة هي:

1. منطقة الساكنة
منطقة جبلية غنية بالمعادن، كانت ضمن المخزون الاستراتيجي الذي رفضت الدولة التنازل عنه دون تعديل اتفاقية الشركة.

2. منطقة التالفة
مساحة واسعة يُقال إن تربتها تحتوي مؤشرات قوية لوجود الذهب السطحي، وقد أوقفت الدولة دخول الشركة إليها بسبب عدم وضوح بنود الاستغلال.

3. منطقة محمد سالم
منطقة استراتيجية تشكل امتدادًا للتوسعة التشغيلية، وكان دخول الشركة إليها موقوفًا بسبب الخلاف حول الحصة الوطنية.

ومع أن الحظر كان معلنًا وصريحًا، فوجئ السكان خلال السنوات الأخيرة بأن:
- التسييج بدأ يمتد تدريجيًا نحو تلك المناطق.
- التفجيرات ظهرت في أجزاء من "التالفة" ثم "الساكنة".
- معدات ثقيلة شوهدت وهي تُهيئ محيط منطقة “محمد سالم”.
- توسعات تمت من دون إعلان رسمي ومن دون نشر أي وثيقة جديدة.

سكان المنطقة يقولون إن الشركة “عادت تحت غطاء الصمت الحكومي”، بينما لا توجد أي وثيقة منشورة توضّح أسباب هذا السماح أو شروطه.
وقد حاول بعض السكان الاعتراض، لكن دون نتيجة، لأن لا أحد يعرف من أعطى الضوء الأخضر، ولا وفق أي اتفاقية.

الفصل الثالث: التنمية التي لا تراها العيون

تقول الشركة إنها تنفّذ مشاريع اجتماعية، وتمول التعليم والتكوين والصحة.
لكن جولة واحدة في القرى المحيطة بالمنجم تكشف:
- أبنية مدرسية متهالكة
- غياب مراكز صحية بمعايير مقبولة
- شُحّ المياه في بعض المناطق القريبة من المناجم
- طرق رملية تقطعها السيارات بصعوبة
- غياب أي مشروع كبير يمكن نسبه إلى “المسؤولية الاجتماعية” للشركة
أين ذهبت ملايين الصندوق الاجتماعي إذن؟
ولماذا لا توجد تقارير منشورة وتفصيلية عن هذه المشاريع؟
الجواب: لا أحد يعرف.

الفصل الرابع: العمال… موريتانيون بدرجة ثانية

منذ 2011 وحتى اليوم، تتكرر مطالب العمال الموريتانيين، وتكاد لا تتغير:
- فارق كبير في الرواتب بين العامل الوطني والأجنبي
- غياب الترقية إلى المستويات العليا
- ضعف برامج التكوين التخصصي
- ظروف عمل ترتبط مباشرة بغياب الرقابة الحكومية
- أجانب يشغلون مناصب يمكن للموريتانيين القيام بها بسهولة
ببساطة…
منجم تازيازت يشبه “دولة داخل الدولة”، لا يمكن للعمال المحليين فيها إلا أن يكونوا الحلقة الأضعف.

على الرغم من كل ما يجري:
- توسعات غير معلنة
- أرقام غامضة
- تقارير غير منشورة
- اتفاقيات بلا نقاش
- غياب حصة وطنية حقيقية
لم تصدر الحكومة بيانًا واحدًا يوضح للرأي العام:
كيف تُدار ثروتنا؟
ومن يراقب الشركة؟
ولماذا لا تُنشر العقود؟

وسط كل هذا الجدل، انتشرت خلال الأيام الماضية صور ومقاطع فيديو للمدير الإداري للشركة،  في أقصى شرق موريتانيا، مشاركًا في مسابقات الرماية التقليدية.
طبيعي أن يشارك أي مسؤول في نشاط اجتماعي، لكن المشكلة تكمن في التوقيت:
- توسعات غير معلنة في مناطق حساسة
- احتقان وسط العمال
- أسئلة حول العوائد والاتفاقيات
- استغلال مناطق محظورة سابقًا بلا أي بيان رسمي

ومع ذلك…
هذا الغياب يعكس ثقافة الشركة التي اعتادت العمل بلا مساءلة ولا انفتاح على المواطنين.

الفصل السابع: الطريق إلى الشفافية… تجارب قريبة تثبت أن الأمر ممكن

على مدار السنوات الأخيرة، أعادت عدة دول إفريقية صياغة عقود التعدين:
- غانا رفعت نسبة الدولة بشكل تدريجي.
- تنزانيا فرضت تعديلات قوية على شركات الذهب.
- مالى أدخلت ضرائب جديدة أكثر عدالة.
- زامبيا فتحت العقود وراجعتها بالكامل.
موريتانيا ليست استثناءً جغرافيًا ولا اقتصاديًا.
لكنها تحتاج إلى خطوة واحدة:
إرادة سياسية صريحة لفتح هذا الملف.

تازيازت هي امتحان لسيادة الدولة، ومحكّ لثقة الشعب، ومؤشر على طريقة إدارة الثروة الوطنية.
وما لم تُفتح العقود، ويُكشف الإنتاج الحقيقي، وتُحدد مناطق الاستغلال، وتُراجع حصص موريتانيا، سيظل السؤال الأكبر مطروحًا:
من يستفيد من عقود تازيازت الغامضة ؟ .